سوريا- الشرع رئيسًا، تحديات وفرص نحو دولة جديدة موحدة

المؤلف: سمير العركي09.21.2025
سوريا- الشرع رئيسًا، تحديات وفرص نحو دولة جديدة موحدة

عقب إعلان حسن عبد الغني، المتحدث الرسمي باسم إدارة العمليات العسكرية السورية، عن تولي أحمد الشرع منصب "رئيس البلاد في المرحلة الانتقالية" والاضطلاع بـ "مهام رئاسة الجمهورية العربية السورية، وتمثيلها في المحافل الدولية" وتفويضه "بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية، يضطلع بمهامه ريثما يتم إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ"، تكون الثورة السورية قد أنجزت قفزة نوعية وهامة نحو إعادة هيكلة الدولة بعد زوال حكم بشار الأسد.

لقد جرى تنصيب الشرع رئيسًا لسوريا في سياق احتفال حافل شهده قادة الفصائل العسكرية، الذين قاموا بتشكيل الجبهة العريضة للثورة على مدى ما يقارب 13 عامًا، حيث مثل هذا الحضور العسكري الملحوظ لمشهد التنصيب دلالة رمزية جلية، تشير إلى أن القرار يعبر بصدق عن إرادة هذه الفصائل.

ومن القرارات المحورية الأخرى التي أُعلن عنها، يبرز حلّ "جميع الفصائل العسكرية، والهيئات الثورية السياسية والمدنية، ودمجها في مؤسسات الدولة"، أما بقية بنود الإعلان فقد جاءت لتجسد ما قد تم الاتفاق عليه بالفعل على أرض الواقع منذ دخول قوات الثورة في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 – الذي تقرر أن يُخلد كيوم وطني سنوي – مثل إلغاء العمل بدستور عام 2012، وحل مجلس الشعب الذي شُكل في عهد بشار، وكذلك حل الجيش وجميع المؤسسات الأمنية، بالإضافة إلى حل حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وغيرها من الإجراءات الحاسمة.

إن إعلان الشرع رئيسًا لسوريا لم يكن مجرد إيذان ببدء حقبة جديدة، بل حمل في طياته مجموعة من التحديات والفرص الجمة للرئيس الجديد، الأمر الذي يستدعي صياغة رؤى إستراتيجية نافذة من أجل عبور سوريا، دولة وشعبًا، بهذه المرحلة الدقيقة والحساسة.

التحدي الأول: إعادة بناء الدولة

الحقيقة الجلية التي يدركها الجميع في الوقت الراهن، هي أن نظام الأسد قد أتى على تدمير الأسس الجوهرية التي لا غنى عنها لأي دولة، وأن الضرورة الملحة الآن تكمن في إعادة بناء هذه المقومات مجددًا.

نحن إزاء رقعة جغرافية ذات حدود معترف بها دوليًا، يسكنها شعب عريق الجذور في أعماق التاريخ، بالإضافة إلى وجود حكومة انبثقت من صميم الثورة، وتوجت بإعلان الشرع رئيسًا للبلاد، لكنها بحاجة ماسة في الوقت الراهن إلى تعزيز سيادتها الداخلية والخارجية على حد سواء.

من هذا المنطلق، فإن الشرع سيحتاج إلى اتخاذ جملة من التدابير الرامية إلى تدعيم هذه السيادة، وأبرزها ما يلي:

  • أولًا: إعادة بناء الجيش السوري على أسس وطنية شاملة ومتوافقة مع أهداف الثورة، وقد وضع بيان "النصر" اللبنة الأولى في هذا الصرح، من خلال الإعلان عن حل الفصائل العسكرية ودمجها في وزارة الدفاع، وأرى أن هذه الخطوة تتسم بأهمية قصوى، إذ أنها حمت سوريا من الانزلاق إلى صراع فصائلي مدمر، على غرار ما شهدته أفغانستان عقب سقوط نظام محمد نجيب الله في نيسان/أبريل 1992، ومع ذلك، لا تزال المتابعة الدقيقة ضرورية لمنع نشوء أي حركة تمرد مسلحة.
  • ثانيًا: إعادة بناء المؤسسات المختلفة، وفي طليعتها المؤسسات الأمنية والمجلس التشريعي، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية والإعلامية والاجتماعية وغيرها من المؤسسات التي تسهم في تعزيز السيادة الداخلية، وربط الشعب بالدولة الجديدة.
  • ثالثًا: لا يمكن الادعاء بتحقق السيادة الكاملة دون بسط الحكومة سيطرتها على كافة أرجاء الدولة، وهو ما يستلزم ضرورة إنهاء سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على المناطق التي تحتلها شرق الفرات، وتسليم سلاحها للدولة على غرار بقية الفصائل.
  • رابعًا: ضرورة التوصل إلى رؤية واضحة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان المحتل، ومع التسليم بصعوبة هذه المهمة في هذه المرحلة، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن "الغطرسة" الإسرائيلية شبه اليومية في الجنوب السوري دون محاسبة، لذا يمكن للشرع أن يستهل ولايته الرئاسية بالمطالبة الحازمة بضرورة تنفيذ اتفاق "فض الاشتباك" الموقع عام 1974، ريثما تتهيأ الظروف المؤاتية للمطالبة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان.

التحدي الثاني: دعم الاقتصاد السوري

يمثل الاقتصاد تحديًا جسيمًا لأي حكومة مستقرة في العالم، إذ أنه بمثابة البوصلة التي تحدد مسار التحسن المعيشي، وبالتالي تحقيق الرضا الشعبي، وإرساء الاستقرار المجتمعي، فما بالنا بالوضع القائم في سوريا، حيث تعرض الاقتصاد السوري لهزات عنيفة نتيجة سنوات الحرب الطويلة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الناتج القومي، وانعدام الاستثمارات الخارجية بشكل شبه كامل.

لذا يتمثل التحدي الماثل أمام الشرع في الوقت الراهن في إعادة تدوير عجلة الاقتصاد، وتوفير البيئة المواتية لجذب الاستثمارات، وهذه البيئة تشمل البنى التحتية الأساسية من كهرباء وإنترنت وطرق ومواصلات وما إلى ذلك، كما تتضمن تهيئة بيئة آمنة ومستقرة.

كل هذه التدابير ستتطلب ضخ المزيد من الأموال والمساعدات، الأمر الذي سيفرض على الشرع تعزيز حضوره الإقليمي والدولي، لاستقطاب الداعمين والمستثمرين في عملية إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد.

التحدي الثالث: الهوية السورية الجامعة

تنفرد سوريا بتنوعاتها العرقية والطائفية في ظل وجود أغلبية عربية "سنية"، فكيف يمكن بناء هوية جديدة لسوريا "ما بعد الأسد" تعبر بصدق عن هذا التنوع الثري دون المساس باستقلالها أو خصائصها التاريخية المميزة لها؟

في الطريق نحو إعادة تشكيل هوية الدولة، سيواجه الشرع تحديات جمة تطمح إلى "دسترة" أي انفصال مستقبلي، إذ تتطلع بعض المكونات العرقية والطائفية إلى صياغة دستور يعبر عن تطلعاتها، ولو على حساب الشعب السوري ووحدة وسلامة أراضيه.

ينبغي لهوية سوريا "الجديدة" أن تظل متجذرة في الخصائص الدينية والثقافية واللغوية التي شكلت سوريا تقليديًا، مع عدم إغفال الخصائص المميزة لأي مكون آخر.

إحدى أهم سمات هذه الهوية هي "سوريا الموحدة" غير القابلة للتجزئة تحت أي شعار من شعارات التجزئة المستترة مثل "اللامركزية" التي تتبناها أكثر من جهة، في حين أن بعضها الآخر مثل قوات "قسد" لا يزال متمسكًا حتى اللحظة بشعار "الإدارة الذاتية"!

كما يجب ألا تغفل هوية سوريا "الجديدة" القيم الأساسية والجامعة، وفي مقدمتها العدالة والحرية والتوزيع العادل للثروة وغيرها من القيم التي ناضل من أجلها الشعب السوري طويلًا، وقدم تضحيات جسيمة لتكون عنوانًا لدولته الجديدة.

فرص يجب اغتنامها

في مقابل التحديات – التي أشرنا إلى أبرزها – تبرز فرص واعدة مع "إعلان الشرع رئيسًا" لسوريا:

أولًا: التوافق التركي الخليجي

منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد، تجلى وجود توافق تركي قطري سعودي على ضرورة دعم ومساندة الدولة السورية الجديدة.

أعتقد جازمًا أن إعلان الشرع رئيسًا، لا بد أنه حظي بدعم ومساندة الدول الثلاث، سواء على الصعيد الإقليمي أو على المستوى العالمي.

هذا الدعم لا يعني بأي حال من الأحوال أن الشرع قد تم فرضه على الشعب السوري.

فالشرع يتمتع بتاريخ ناصع في الثورة، وتولى قيادة عملية ردع العدوان إعدادًا وتنفيذًا، ونجحت قواته في دخول دمشق بأقل الخسائر البشرية والمادية.

كما حظيت رؤيته وإجراءاته التنفيذية برضا واستحسان غالبية أطياف الشعب السوري، وبدت تصرفاته كرجل دولة مسؤول أكثر منها قائدًا عسكريًا منتصرًا.

من هذا المنطلق، فإن إعلانه من قبل الفصائل العسكرية رئيسًا للبلاد، ما هو إلا انعكاس لإرادة سورية خالصة.

إلا أن هذه الإرادة تحتاج إلى دعم للتسويق الخارجي، وهو ما تقوم به الدول الثلاث المشار إليها، الأمر الذي يمثل فرصة سانحة يجب أن يستثمرها الشرع في تعزيز الحضور الخارجي، سواء على مستوى الدول أو على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية، بما يعود بالنفع على الداخل.

كما يجب أن يرتكز في رؤيته المستقبلية على تحويل سوريا إلى شريك فاعل لهذه الدول الداعمة، حتى لا تتحول بمرور الوقت إلى عبء عليها.

ثانيًا: امتلاك قاعدة جماهيرية عريضة

أظهرت ردات الفعل العفوية من الشعب السوري على "إعلان الشرع رئيسًا" أن الرجل يتمتع بحضور جماهيري لافت، عزز من شعبيته التي اكتسبها عقب دخوله دمشق.

تمثل هذه القاعدة الجماهيرية العريضة فرصة ثمينة أمام الشرع، لتعزيز التماسك الداخلي من ناحية، بعد سنوات طوال من الانقسام والحرب.

كما أنها تمثل فرصة للانطلاق بقوة نحو تحقيق برامجه ورؤيته، لا سيما إذا نجح في تشكيل مجلس تشريعي من شخصيات سورية مرموقة تمثل أطياف المجتمع وفئاته المختلفة.

ثالثًا: تعزيز حضوره "الإسلامي"

تكبد التيار الإسلامي هزيمة فكرية وقيمية كبيرة إثر إخفاقه السياسي في تجربة الحكم عقب ثورات الربيع العربي عام 2011، الأمر الذي ترك تداعيات سلبية على التيار الواسع بجميع أطيافه.

يمثل إعلان الشرع رئيسًا لسوريا فرصة تاريخية لتعزيز حضوره الشخصي داخل التيار الإسلامي، وذلك بعد أدائه السياسي المتميز الذي تخلص من خلاله من أخطاء الإسلاميين الإستراتيجية، وفي مقدمتها التنظيماتية، وعدم المرونة السياسية، والافتقار إلى الرؤى الإستراتيجية.

فضلًا عن نجاحه في بناء تحالفات إقليمية سريعة وهامة، على عكس توقعات الكثيرين بسبب خلفيته "الجهادية"، إذ استفاد من الظروف الإقليمية والدولية في إعادة تموضعه مع دول مهمة ومؤثرة مثل تركيا، وقطر، والسعودية، وبدا حريصًا منذ اللحظات الأولى على ترسيخ فكرة عدم تصدير الثورة، واعتبار سوريا داعمًا أساسيًا للأمن الإقليمي والعربي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة